الفلاسفة والحب من سقراط إلى سيموندوبوفوار
تنكب الفيلسوفتان الشابتان اودلانسولان و ماري لامونييه فيكتابيهما المشترك "الفلاسفة والحب من سقراط الى سيمون دوبوفوار"على دراسةالعلاقة بين الفلاسفةوالحب، على مدى التاريخ الإنساني الحديث انطلاقا منسقراط وفلاسفة اليونان القدامى ووصولا إلى فلاسفة الوجوديين من جيل سيموندوبوفوار.
وقد وزّعت المؤلفتان كتابهماعلى عشرة عناوين تبدأ ب"أفلاطون، نشيد
للحب" وتنتهي بفصل يحمل عنوان "جانبول سارتر و سيمون دوبوفوار، الحب فيإطار
الحرية" ، ومرورا بفصول تحملعناوين: "لوكريس، تحدي الحب" و"جان جاك
روسو،حياةالرومانسية وموتها" و"ايمانويل كانط، صحراء الحب"
و"آرتورشوبنهاور، الحب المغتال" و"سورينكيركيغارد، الحب المطلق"، و فريدريك
نيتشه، الحب على غرار ضربات المطارق ثم مارتن هايدغر وحنّة ارنت،
خفقاتأجنحة الغرائز.
هذه العناوين كلها ذاتدلالة واضحة، تتعرض
لعلاقة الفلاسفة بالحب منزاويتينأساسيتين. الزاوية الأولى هي العلاقة
"الفلسفية" مع هذه العاطفة الإنسانية وتحديد رؤية وتعريف الفلاسفة المعنيين
بها: أماالزاوية الثانية فإنها تمثل نوعا من"كشف الغطاء" عن الحياة
العاطفية لكبار الفلاسفةوالمفكرين فيالحقب السابقة وحيث كان هذا الجانب من
سيرة حياتهم مخفيا إلىدرجة كبيرة.
وبعض الأمثلةعلى هذا نجده في الكشف
عن وجود "جانبدونجواني"كبير لدى جان بول سارتر، و"تأليف" مارتن هايدغر لـ
"أشعار رديئة" موجهة للفيلسوفة "حنّة ارنت" حيث كانا قدتقاسما الحياة
المشتركة لعدة سنوات وتبادلا عشراتالرسائل بعد هجرة "حنّة" إلى فرنسا ومنها
إلىالولاياتالمتحدة الأميركية.
هكذا يبدوهناك تباين كبير في سلوك
الفلاسفة أمام مسألة الحببين "الاندفاع" و"القلق" و"القسوة" والحكمة
الباردة وحساب الأمور والسيطرة على النفس، كما تبين بعض الصفاتالتي
تستخدمها المؤلفتان في توصيف علاقةالفلاسفة بالحب. وبكل الحالات يبقى
السؤال الأساسي هو تحديدالعلاقة، أو حسب التعبير المستخدم الصراع
معالغرائزوالأهواء. فهل تنبغي السيطرة عليها أم الخضوع لـ "عبوديتها"؟
تقول
الجملة الأولى من الكتاب هناك فكرة سائدة تلقى الاتفاق العاموهي أن الحب
والفلسفة ليست بينهمابالتعريف علاقة جيدة. وهي تجد صداها في جملة أخرى
فيالمقدمة تقول:إن الحب شرط للسعادة بالنسبة للسواد الأعظم من البشر،
ومادةلأجل الكتاباتالأدبية، لكن الفلاسفة يقاربونه بقدر كبير من التعقل،
إنهتعقل ذلك الذييدخل إلى قفص للوحوش الكاسرة التي قد تلتهمه. أمام مثل
هذهالملاحظة يمكنللمرء أن يقدم كل أنواع التفسيرات. وبما أن الفلاسفة
يحملونهمّ تحريرالإنسان من كل أشكال الاغتراب العقلي، فإنه يمكن فهم
نظرهمبكثير منالتشكك إلى هذه العاطفة الجامحة.
وعبر نظرةيسودها التشاؤم
عامة جرى النظر إلى عاطفةالحب بقدر كبير من الاستخفاف بحيث انها لا
تستحقسوى فترةقصيرة جدا من التفكير والتأمل، وبالتالي من التفلسف. وقد كانت
تلك النظرة تثير الكثير من الغرابة كما تلاحظ المؤلفتان، إذانها تخص
موضوعا ذا مكانة مركزية في الحياةالإنسانية. لكن هذا لم يمنع أن الفلاسفةقد
تركوهللشعراء والروائيين، أو ربما لعلماء الاجتماع.
ان الكثير من
الفلاسفة عاشوا في الوحدة والانفراد، وصولا إلى الاختلاءبأنفسهم في مكان
يقيمون فيه، على الأقل منذالأزمنة الغابرة بالمعنى الأشمل للكلمة، أيالتي
تبدأ منذالفلاسفة اليونانيين القدامى، سقراط وأفلاطون
وأرسطو،الفلاسفة"المؤسسون" كما يطلق عليهم. هكذا قام أولئك اليونانيون
القدامى بتصوير "كوبيدون"، ملاك الحب، بصورة "صبيبريء" ولكنه يخبئ تحت
جناحيه "سهما قاتلا".
هنا تفتحالمؤلفتان قوسين كي تشيرا إلى أنه من
المثيرللانتباه عدماهتمام الدارسين حقا بالتعرف على "نظرات الفلسفة"لعاطفة
الحب بحيث اننا قد نجد أكثر عمقا ما هو موجود عنه في الأغاني الشعبيةمما هو
لدى المفكرين المعاصرين. وتتم الإشارةهنا أيضا إلى أن الفيلسوف شوبنهاور
كان من أول الذين انتبهوالذلك، إذ كتب عام 1818، كما تنقل المؤلفتان
عنه،يقول: منالمثير للدهشة أن موضوعا يلعب دورا بهذا القدر الكافي
منالاعتبار لدىالفلاسفة، وان يتم تقديمه لنا كمسألة لم يتطرق لها أحد
منقبل.
الظاهرة المعقدة
لا أحد يجهلأن الحب ليس ظاهرة إنسانية تعود
إلى الأمس القريب، وهوظاهرة معقّدة في تاريخ البشر. لكنها تبقىعلاقة
علىدرجة عالية من "التعقيد" فيما يخص رؤية الفلاسفة لها أو عيشها. لقد شكّل
الحب نوعا من "العودة إلى الخلود" بالنسبة لأفلاطون،ولكنه لم يكن سوى "وهم
قاتل" بالنسبةللوكريس و"تحدٍ لحياة الإنسان كاملة" بالنسبةلكيركيغاردونوع
من الدهاء كما رآه شوبنهاور. أما بالنسبة لجان جاك روسو، مخترع
الرومانسية، فقد كانت عاطفة الحب مصدر تأثير كبير، ليسعلى حياة الفلاسفة
فحسب، وإنما على حياتهم كلها.