كثير
من الأبحاث الحديثة في علوم المناعة أكدت أن الاندماج في المجتمع وعمل
الخير والعطاء والإيثار أكثر نفعاًُ لصاحبها، ومن يقوم بالعطاء يستمتع بهذا
العمل الخير أكثر من الذي يتلقى الخير..
ووجد أن أداء الأعمال الخيرية بجميع أنواعها دخلت وستدخل بصورة أوضح وستكون أكثر فاعلية في طرق العلاج النفسي.
ففي
دراسة لعالم الوبائيات الأمريكي "جيمس هاوس" على 2700 أمريكي عن تأثير
العلاقات الاجتماعية على معدلات الوفاة، أكد الدكتور "هاوس" أن مجرد كون
الإنسان يعيش مع غيره من الناس يؤدي إلى زيادة معدل توقع الحياة بالنسبة له
بدرجة واضحة وخصوصاً بين الرجال، حيث لوحظ أن معدل الوفيات بالنسبة لغير
المتزوجين أو على الأقل مدى تضررهم وإصابتهم بالأمراض والأوبئة والعلل قد
تجاوز 60% بالمقارنة بمن يعيشون حياة مستقرة اجتماعياً.
كما أظهر
عدد آخر من الأبحاث نتائج مشابهة؛ ففي دراسة دامت تسع سنوات أجرتها عالمة
الوبائيات الأمريكية الدكتورة "ليزا بركما" بجامعة كاليفورنيا على سبعة
آلاف حالة من المقيمين بإحدى القرى التابعة للولاية أكدت الأبحاث الخاصة
بهذه الدراسة أن معدل الوفيات قد تضاعف بنسبة 90% بين عدد غير المرتبطين
اجتماعياً أو من يعيشون في ظل ظروف اجتماعية مضطربة؛ ولا سيما الذين عاشوا
في عزلة عن الأصدقاء والأقارب وذلك مقارنة بمن استطاعوا الاندماج في
المجتمع ويتمتعون بحياة اجتماعية مستقرة إلى حد كبير.
فقد تبين أن
حث مريض الضغط النفسي على البذل والعطاء يساعده بالفعل في التغلب على
مشكلته ويمكن أن ينشأ هذا الشعور بالدفء العاطفي من إفراز مواد كيميائية
بواسطة المخ عند الإحساس بالراحة النفسية.
إن الانسجام والتوافق مع
شريعة السماء وما فيها من الخير والحث على العطاء من شأنه أن يحدث وئاماً
وتصالحاً مع النفس، فالإنسان بفطرته ميال إلى الخير ولا يجنح إلى الشر إلا
نتيجة لضغوط أو مغريات تتعارض مع هذه الفطرة، وفعل الخير بكل أبعاده يحدث
رضا وارتياحاً وسكينة لدى الإنسان السوي، الأمر الذي يؤدي إلى الاستقرار
النفسي ويقطع الطريق على أية أزمات أو مشاكل نفسية يمكن أن تلم بالنفس
البشرية أو تعكر صفو حياتها، وإن كانت الصحة النفسية تتبلور وتؤثر فيها
عوامل كثيرة فإن حب الخير وفعله والحرص على المواصلة في فعله وكذلك الحرص
على التفنن في القيام به بألوان مختلفة يأتي في مقدمة هذه العوامل لأن هذا
يتناغم مع المنهج الإلهي ويواكب روحه وغاياته الإنسانية الرحيمة.
ولقد
عرض أحد علماء النفس في إنجلترا على طلبته فيلماً عن أعمال الخير تجاه
الفقراء المرضى.. وعقب المشاهدة كشفت نتائج تحاليل لعاب الطلبة ولا سيما
الذين شاركوا في خدمة الفقراء والمرضى عن وجود زيادة واضحة في بروتين
المناعة من النوع "أ" وهو مضاد حيوي يلعب دوراً مهماً في تغلب الجسم على
الميكروبات التي تصيب الجهاز التنفسي.
هذا الاتجاه قد يكون فاتحاً
لباب جديد في علم الطب يحاول أن يفسر علاقة جسم الإنسان وتفاعلات أجهزته مع
متغيرات البيئة السلوكية، إنني استطيع أن أسميها "كيمياء الخير" ويؤكد
العلماء المتخصصون بالطب النفسي أن أعمال الخير والأفعال الطيبة يمكن أن
تعود على الجهاز المناعي للجسم بعظيم الفائدة حيث يرتبط الجهاز المناعي
للجسم مع حالة الاستقرار النفسي برباط وثيق حيث إنه يوجد اتصال عصبي بين
المخ وبين نخاع العظام؛ حيث إن المخ هو المركز الأول للحالة العصبية للشخص
وكذلك النخاع العظمي هو المكان والمركز الرئيسي للجهاز المناعي.
كما
يقوم الطحال والذي يعتبر من الأماكن الإستراتيجية والمراكز الجوهرية
للجهاز المناعي بإنتاج خلايا مطلوبة لحماية الجسم ضد الغزو الميكروبي عقب
الارتياح النفسي الناتج عن عمل الخير.
ومن ثم فقد صار الاتجاه
الحديث هو محاولة قيام المرضى بمساعدة الآخرين والعمل من أجلهم تحسيناً
لأحوالهم النفسية، ومن ثم العضوية، وبالتالي تقوية قدرة الجهاز المناعي
لديهم.
وقد تبين أن أداء الأعمال الخيرة للغير بدون مصلحة منتظرة
يعجل بشفاء المريض، ويساعده على التئام جراحه النفسية والجسمية لأن الإيثار
وتفضيل الغير له آثاره الإيجابية الحميدة تماماً مثل مراقبة النظام
الغذائي للمحافظة على الصحة.