التخاطر
هو أحد هذه القدرات الذاتية المصدر.. وتعد ظاهرة التخاطر
أقدم القدرات الإنسانية الخارقة التي عرفها الإنسان والتي يعزى إليها طريقة
الاتصال بين بني البشر في العصور القديمة الغابرة كما يرى المهتمون بهذا
العلم.
ونتيجة للتطورات العلمية الحديثة والابتكارات البشرية ضعفت قدرات الإنسان
بصورة أفقدته قدرته على الاتصال العقلي والروحي بالكيفية التي كان عليها عن
ذي قبل وأصبح التخاطر ظاهرة نراها بصورة عارضة لبعض البشر ونعدها من
الخوارق.
وفي البداية نعرض لهذه القدرة الخاصة لبعض الناس في محاولة لمعرفة مصدرها
وطبيعتها وأسبابها ، مع علمنا التام بأن هناك من يريح نفسه بإنكار مثل هذه
الظواهر جملة ، فالإنسان عدو ما يجهل، ولكننا نأخذ الطريق الصعب في سبيل
المعرفة، ولعلنا نصل إلى التبرير العلمي الصحيح الذي يوضح لنا هذه الظاهرة
التي نراها عند بعض الناس في مختلف دول العالم مقتنعين تمام الاقتناع بأن
تواتر هذه الظاهرة عند أكثر من شخص وفي أكثر من زمان واحد ومكان واحد لا
يمكن أن تنسب إلى فراغ وأن يوصم كل من ادعاها عبر العصور بالدجل والشعوذة.
خاصة وأن هناك من الأدلة العلمية و النقلية التي تؤيد هذه الظاهرة وإمكانية
حدوثها بقدرات الإنسان التي أودعها الله فيه.
وصف ظاهرة التخاطر :
التخاطر عبارة عن نوع من الاتصال العقلي عند البشر بصورة غير مادية ملموسة
بين شخصين بحيث يستقبل كل منهما رسالة الآخر العقلية في نفس الوقت الذي
يرسلها إليه الآخر مهما بعدت أماكن تواجدهما. وبعبارة أبسط ، فالتخاطر يعني
معرفة أي شخص منهما بما يدور في رأس الآخر..
أسس التخاطر العلمية :
أثبت العلم الحديث نشاطات عديدة لجسم الإنسان لم تكن معلومة لدينا في
الماضي القريب، ومن هذه النشاطات الأثر الكهرومغناطيسي للنشاط الكهربي لعقل
الإنسان. نعم فإن خلايا المخ عند الإنسان والتي تعد بالملايين تقوم بعدة
مهام عن طريق إرسال الإشارات الكهربية فيما بينها، وهذه الإشارات الكهربية
بدورها تكون بمثابة الأمر المرسل من مراكز المخ المختلفة المسئولة عن تحريك
الأعضاء والإحساس والقيام بتوصيل المعلومات من الحواس إلى مراكز المخ
والعكس، فتقوم بتوصيل الأوامر من المخ إلى الأعضاء من خلال الأعصاب.
وهذا النشاط الكهربي مهما كانت درجة ضعفه فإنه يولد نوعاً من الطاقة
الكهرومغناطيسية يمكن رصدها بالعديد من الأجهزة المعدة لذلك بل وتصويرها
بالموجات شديدة الصغر في شكل هالة ضوئية حول الإنسان لها مدى معين ولون
طيفي يميز هذه الهالة من شخص إلى آخر ومن حالة إلى حالة لنفس الإنسان .
ومما لا شك فيه أيضاً أن هذه الهالة الضوئية غير المرئية هي وليدة نشاط
المراكز العديدة في المخ من مراكز الحواس إلى الذاكرة إلى الاتزان.
ومما لا شك فيه أيضاً أن كل العمليات العقلية التي تمارسها هذه المراكز
المخية يكون لها قدر معين من الطاقة كأثر للنشاط الكهربي المبذول فيها،
وهذه الطاقة يمكن قياسها بصورة أو بأخرى لتسجل نفس القدر من الطاقة عند
إعادة هذه العمليات بعينها.
والمراد الوصول إليه أنه يمكن أن يثبت معملياً أن النشاط الذهني الذي
يستغرقه المخ في إجراء عملية حسابية معينة يصدر عنه قدر من الطاقة
الكهرومغناطيسية يساوي نفس القدر الصادر عند إجراء نفس هذه العملية
الحسابية مرة أخرى .
ومن هنا يمكننا القول : إن جميع العمليات التي يقوم بها مخ أو عقل الإنسان
يصدر عنها كمية معينة من الطاقة يمكن تمييزها عن غيرها بالقدر التي تسمح به
إمكانيات الأجهزة المستعملة حالياً.
والأمر كذلـك يمكن تمثيـله بجهاز يـقوم بـإرسال إشارات كهرومغناطيسية لها
مدلول معين يقوم جهاز آخر باستقبال هذه الإشارات وحل شفرتها ومعرفة
مدلولها.
وجهاز الاستقبال هذا هو عقل الإنسان الآخر الذي وهبه الله القدرة على
الشعور بهذه الموجات واستقبالها وترجمتها عقلياً إلى الأفكار التي ترد في
عقل الأول.
وهذا الأمر ليس بغريب بالنسبة لعالمنا الحديث الذي وصلت فيه مخترعات
الاتصال إلى العديد من الأجهزة اللاسلكية والتي تعتمد على نقل الصوت
والصورة بموجات قصيرة وطويلة يتم استقبالها عن بعد. ولكن هذه المعلومات عن
الطاقة المنبعثة من جسم الإنسان دلالاتها على الأفكار الدائرة في عقل
الإنسان وذاكرته وما يشغله قد تتوافق توافقاً تاماً مع غيرها عند شخص آخر
وهو أمر غير مستبعد تماماً وخاصة أن البشر يعدون بالملايين مما يجعل فرصة
توافق البعض منهم أمراً لاشك فيه. وفي هذه الحالة يمكن لشخصين أو أكثر أن
تدور في عقولهم نفس الأفكار ولكن هذه ظاهرة أخرى تسمى توارد الخواطر
أما التخاطر فهو أمر يختلف فهو يعني استقبال الطاقة الصادرة من عقل أي شخص
وتحليلها في عقل المستقبل، بحيث يدرك أفكار الآخرين أي أنه يعمل على توفيق
حواسه على تلقي المجال الكهرومغناطيسي الصادر من الآخرين ومعرفة ما يدور في
عقولهم عن طريقها. وهذا جانب من الظاهرة.. أما الجانب الآخر فهو إرسال
خواطره وإدخالها في عقول الآخرين.
وقد يكون هذا الأمر مستساغاً في حالة وجود الشخصين في مكان واحد، لكن ما
الوضع بالنسبة لمن لا يكونان في نفس المكان؟ وما الفرض إذا كانا متباعدين
في المسافة بحيث يكون كل منهما في بلد آخر؟ والحقيقة أن هناك حالات كثيرة
وردت إلينا عن حوادث شبيهة من هذه الحالة الأخيرة لا يرقى إليها الشك..
ومنها حادث وقع لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أمام جمع من
الصحابة رضوان الله عليهم.
وقد تواترت إلينا هذه الرواية عن طريق رواة صحاح مما يقطع بحدوثها.
وخلاصة هذه القصة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان له جيش يقاتل المشركين
على رأسهم قائد يسمى (سارية).. وقف عمر ليخطب خطبة الجمعة في المسجد،
ولكنه قطع خطبته وصرخ بأعلى صوته: (ياسارية .. إلزم الجبل)..!
فماذا كان يفعل سارية في هذا الوقت؟ كان سارية يقاتل أعداء الله متحصناً
بجبل خشية أن يلتف الأعداء من خلفه هو ورجاله وكان القتال شديداً.. وقد
أحسّ الأعداء أنه لا يمكنهم مقاتلة سارية وجنوده مواجهة مادامت ظهورهم إلى
الجبل وأنهم لا سبيل إليهم سوى أن يتركوا موقعهم الحصين فدبروا خطة.
هذه الخطة هي التراجع أمام المسلمين حتى يظنوا أنهم تقهقروا وانهزموا
فيتبعوهم في مطاردة تبعدهم عن الجبل المعتصمين به فيطبقوا عليهم من خلفهم
بالفرسان فيبيدوهم.
وبطبيعة الحال لم يكن سارية على دراية بخطة أعدائه وكاد أن يقع في مخططهم
ولكن ـ والرواية على لسان سارية ـ يقول ويقسم أنه عندما هم بمطاردة الأعداء
سمع صوت عمر في المعركة يأمره بالالتزام بالجبل.. فماذا كان هذا الأمر؟!
والحقيقة أن هذه الواقعة مثيرة في أكثر من جانب، وهي إن كانت فيها ملامح من
ظاهرة التخاطر إلا أنها تعدتها بمراحل عديدة، فالتخاطر ـ كما أوضحنا ـ نوع
من الاتصال العقلي وهي بهذه الحال يجب ألا يتعدى فيها علم المتخاطرين
بأكثر مما يحويه عقل كل منهما، والواضح أن سارية لم يكن يعلم بشأن الأعداء
شيئاً.
فكيف عَلِمَ عمر بوضع الأعداء ؟
ولتحليل هذه الواقعة ترى أن عمر بن الخطاب بتكوينه الجسماني والروحي كان ذا
قدرات روحية وعقلية خاصة. فقد كان كثيراً ما ينزل الوحي من الله ـ سبحانه
وتعالى ـ مؤيداً لرأيه، وخاصة في أمر الحجاب وأمر الخمر، وهذا ما روي عنه
أنه كان يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإحدى زوجاته من أمهات
المؤمنين ـ رضوان الله عليهن جميعاً ـ فاصطدمت يدها في يده فثار وغضب وطلب
من الرسول الكريم عزل النساء وعدم خلطهن بالأغراب عنهن من الرجال فأيده
الله سبحانه بآية الحجاب.
ومرة أخرى رأى بعض الناس سكارى في الصلاة ولم تكن الخمر أخذت حكم التحريم.
وقال عمر داعياً الله: اللهم أنزل لنا في الخمر جواباً شافياً، فنزلت آيات
تحريم الخمر واجتنابه.
وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان لا يمشي في طريق
يمشي فيه عمر" أو ما معناه ذلك.
إذاً فهذا هو عمر صاحب الروح الشفافة القوية وصاحب الجسد العملاق الضخم
والذي قيل فيه إنه يُرى ماشياً كأنه راكباً من الطول وهو الذي تنحنح بصوته
فبهت الحلاق الذي يحلق له من صوته القوي وأصابه الرعب حتى أن عمر أمر له
بعطاء تعويضاً له عما لاقاه من ترويع. وهذه المؤهلات الجسدية والروحية توحي
لنا بقدرات عمر وإمكانياته.
و التخاطر أحد قدرات عمر الروحية المتكاملة وهو ما يؤكد لنا أن عمر اطلع
على أفكار الأعداء ومخططهم فكان استقباله لخواطر الأعداء العقلية وقام
بإرسال خواطره إلى قائده في ذات الوقت. وهذه القدرة في حد ذاتها لا تختلف
عن قدرات العديد من الناس لا يرقون إلى قدرات عمر بن الخطاب وإنما التميز
في هذه الحالة يرجع إلى المسافة البعيدة التي استطاع عمر الاتصال العقلي من
خلالها وهو ما يستند إلى نشاط روحي قوي ومميز لدى عمر، وهو ما أوضحناه
بالتفصيل في باب الروح والحلم.
الروح البشرية طاقة لازمة لحدوث التخاطر :
فالتخاطر وإن كان ظاهرة عقلية تعتمد على استقبال وتحليل الطاقة
الكهرومغناطيسية أو بمعنى أدق استقبال الموجات والترددات الصادرة من العقل
البشري وتحليلها، فإن ذلك لا يكفي وحده للقيام بمثل تلك الظاهرة التي مر
بها عمر بن الخطاب دون وجود قوة معاونة ذات قدرات مميزة.
ونقصد بالقوة المعاونة الروح البشرية والتي تمثل الطاقة اللازمة لمضاعفة
الحواس البشرية آلاف المرات عما هي عليه، كما أنها تنتقل بالحواس إلى أماكن
بعيدة وعوالم مختلفة وتستقبل وترسل العديد من المعلومات من ومع الآخرين،
وهو ما نلاحظه في أحلامنا وأحلام الآخرين من نشاط روحي يتم فيه الاتصال
بأرواح الموتى والحديث معهم في عالمهم والانتقال إلى أماكن بعيدة أو رؤية
من نحب في بلاد أخرى.
ظاهرة التخاطر.. وآراء العلماء فيها :
ونتناول ظاهرة التخاطر من جوانبها المختلفة وآراء العلماء فيها بعد أن
قدمنا السند العلمي المبرر لوجودها في محاولة لمعرفة طبيعتها والتجارب
الخاصة بها، فهناك أشخاص يستطيعون بواسطة أي اتصال مادي معرفة ما سيحصل
قريباً أو قراءة تفكير إنسان آخر قريب منهم. ويسرد لنا د. ميراي مدير جمعية
الأبحاث النفسية في لندن ما حصل له كثيراً من المرات في مختبراته ، وعلى
سبيل المثال يخبرنا بالحديث التالي.. فيقول:
" كتبت السيدة طانبي بعض الكلمات لمقطع من تأليف (ديستوفيسكي) يشير إلى موت
(كلب رجل فقير في مطعم) وأخذت يدها بين أناملي وأجمعت فكري طويلاً حتى طغى
علي عقلي الباطن وأدركت أن المكتوب بقلم السيدة يتعلق بموت كلب، في كتاب
روسي، ويوصي إلى رجل فقير". ثم إن هناك خلافاً بين الجماهير في المقهى.
وهذا الرجل يسرد لنا القصة من وجهة نظر صاحب الموهبة نفسه وهو يحاول قراءة
خواطر سيدة وهو في كامل وعيه وفي تركيز كامل ولذا فانه لم يصل إلى خواطرها
بشكل كامل.
ويرجع هذا إلى أن هذه الظاهرة يجب أن تحصل في ظروف خاصة عفوية، أي غير
مقصودة، مع شعور أو انفعال مهم ولذا يعد بعض العلماء أن التخاطر ظاهرة
عفوية لا يمكن التحكم فيها أبداً. وذلك لاعتقادهم أن هناك أجهزة وأعضاء
ومراكز في جسم الإنسان تعمل بصورة تلقائية دون تدخل لإرادة الإنسان فيها.
ونحن نؤيد وجهة نظرهم من جانب ونعني في ذات الوقت عدم انسحاب هذا الرأي على
باقي جوانب الموضوع.
أما تأييدنا لوجهة نظرهم في أن العقل يقوم بالتحكم الآلي أو الذاتي في
أجهزة الجسم الداخلية للقيام بالعمليات الحيوية اللازمة لحياة الإنسان وهو
نائم أو مشغول العقل بأمور أخرى أو في حالة إغماء.
وفي ذات الوقت نلفت الأنظار إلى أنه لو كانت ظاهرة التخاطر من الظواهر
العفوية التلقائية التي يقوم بها العقل أسوة بما يقوم بتحريكه من أجهزة
داخلية في حالات النوم أو الإغماء فإننا نرى الآن الكثير من المتدربين على
الرياضات الروحية كـ(اليوجا) يمكنه التحكم عن طريق التدريب في أعضاء وأجهزة
جسمه الداخلية والتي تعمل تلقائياً كالتنفس وحركة القلب وزيادة أو نقص
إفرازات الغدد.